الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445 هـ

إضاءات فكرية

صفات العلماء الربانيين

27 محرم 1441 هـ


عدد الزيارات : 15305
الأمين الحاج محمد

 

الحمد لله الكريم المنّان، وصلّى الله على محمد خاتم الرسل العِظام، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

العلماء هم الواسطة بين الخالق والمخلوقين، المبلّغين عن ربّ العالمين، الذين قُرِنت شهادتهم بشهادة الله عزَّ وجلّ والملائكة المقربين: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:18]، لهذا أُمرت الأمّة بطاعتهم في المعروف، وقُرنت بطاعة الله ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}[النساء:59].

وأوجبَ الله على العامّة سؤالهم، والرجوع إليهم في النوازل والتباس الظلم: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل:43]، الذين أعلن الله حربه على المعادين لهم: (من عَادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب)(1)، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدّين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله، حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس، لم تشبها الآراء تغييرًا، ووردوا فيها عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا، وهم الذين قال فيهم الإمام أحمد بن حنبل في خطبته المشهورة في كتابه: في الرد على الزنادقة والجهمية: "الحمد لله الذي جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم، يَدْعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله تعالى أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيَوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدَوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله تعالى وفي الله تعالى وفي كتاب الله تعالى بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين"(2). الذين بصلاحهم والحكام يصلح الناس، وتتنزل الرحمات والبركات، وبفسادهم والحكام يفسد الناس، وينعكس ذلك على جميع المخلوقات.

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلّهم لهم تبعًا، كان صلاح العَالِم بصلاح هاتين الفئتين، وفساده بفسادهما، كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل: من هم؟، قال: الملوك والعلماء"(3).

ثم صاغ عبدالله بن المبارك ذلك شعرًا في أبياته التي سارت بها الركبان، وشاعت بين القاصي والدان:

رأيت الذنوبَ تميتُ القلوب وقد يورث الذلَ إدمانُها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانهـا

وهل أفسد الدّين إلّا الملوك وأحبار سوء ورهبانها؟!

لهذا فإنّ العلماء يستغفر لهم أهلُ الأرض والسماء، والحيتان في جوف الماء: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) (4).

أما بعد..

فمن هُم العُلماء الذين نالوا هذا الفضل، وسبقوا هذا السبق؟ وما صفتهم؟ إنّهم هُم العلماء الربّانيون، والفقهاء الحكماء الحلماء، المتّقون لربهم، العاملون بعلمهم، فما هي أهمّ صفاتهم، وأبرز علاماتهم؟ حشرنا الله في زمرتهم، وجمعنا بهم في مستقر رحمته، هذا ما نود الإشارة إليه، والتذكير به.

قبل الخوض في وصفهم، فما حقيقة الربانيّة؟ ومن هم العلماء الربانيّون الذين أمر الله الناس أنْ يكونوهم حيث قال: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79].

 

الربّانيون

اختلفت عبارات السّلف في تعريف الربّانيّين مع تقارب معانيها، إليك ملخّصها(5):

  1. الربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الربّ، والرباني الذي يربّي النّاس بصغار العلم قبل كباره. أُثر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
  2. الربانيون أرباب العلم، أي: أصحابه، واحدهم ربان، من قولهم: (رَبَّه يَرُبّه)، فهو ربان إذا دبّره وأصلحه. هذا ما ذهب إليه المبرّد.
  3. الرباني: هو العالم الحكيم. وقد أُثر ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه.
  4. الربانيون: هم الحلماء الأتقياء. قاله سعيد بن جبير رحمه الله.
  5. الربانيون: الولاة والأحبار العلماء. قاله ابن زيد.
  6. الربانيون: فوق الأحبار. قاله مجاهد، قال النحاس ناصرًا لقول مجاهد هذا: وهو قول حسن، لأنّ الأحبار هم العلماء، والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة (المراد بها السياسة الشرعيّة)، مأخوذ من قول العرب: رَبِّ أمْرَ النَّاسِ يَرُبَّه إذا أصلحه وقام به.
  7. الرباني: العالم بالحلال والحرام، والأمر والنهي، العارف بأنباء الأمة، وما كان وما يكون فيها، (يعني الملم بشأنها المهتم بأمرها).

 

جمعًا بين هذه الأقوال فإنّ الربّانيّ:

هو العالم الذي يكون على ما كان عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحبه الكرام في العقيدة، والعبادة، والسلوك، والأدب، العامل بعلمه، المتقيّ لربه، الرائد القائد لأمّته، المخالط لها، الصابر على أذاهم، البصير بالسياسة الشرعيّة، وقليلٌ من يجتمع فيه كلّ ذلك كابن عباس رضي الله عنهما، ولهذا عندما مات قال محمد بن الحنفية: "اليوم مات ربانيّ هذه الأمة".

 

أهمّ صفات الربانيين:

الأولى: الكون على ما كان عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في العقيدة، والعبادة، والأدب، والسلوك.

الثانية: الاشتغال بالعلم الشرعي، والحرص على تحصيله وتلقيه من المشايخ الأكفاء.

الثالثة: الصدق، والإخلاص، والتجرّد لله عز وجل.

الرابعة: الخشية والخوف من الله عز وجل.

الخامسة: تعليم الناس وإرشادهم والتدرّج في ذلك من صغار العلم إلى كباره.

السادسة: الرسوخ في العلم.

السابعة: مخالطة الناس، والصبر على تعليمهم وإرشادهم، وما يصدر منهم.

الثامنة: التواضع، ولين الجانب.

التاسعة: الإنصاف، والرجوع للحق.

العاشرة: النصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

الحادية عشرة: العمل على تزكية النفس.

الثانية عشرة: الالتزام بالهدي والسمت الصالح.

الثالثة عشرة: تصدّر الأمة وقيادتها.

الرابعة عشرة: تجنّب المراء، والجدل، والخصومات، والتباغض، والتحاسد.

 

الأولى: الكون على ما كان عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في العقيدة والعبادة والأدب والسلوك:

صفات الربانيين وأهمها الكون على ما كان عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحبه الكرام في العقيدة، والتّصوّر، والمنهج، والعبادة، والسلوك، وهي صفة الفرقة الناجية المنصورة كما صحّ بذلك الخبر.

فعن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ألا إنّ منْ قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة)(6). وفي رواية: (قيل: ما هي؟، قال: ما عليه أنا وأصحابي اليوم)، ولا يتأتى ذلك إلّا بالاعتصام بالكتاب والسنّة، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة.

 

الثانية: الاشتغال بالعلم الشرعي والحرص على تحصيله، وتلقّيه من المشايخ الأكفاء والعلماء الحكماء:

ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، ولا يتسنى لأحد أنْ يكون على ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاَّ عن طريق العلم الشرعيّ، فالعلم قائد، والعمل تبع له، ولهذا قال عزّ مِن قائل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد:19].

فالاشتغال بالعلم الشرعيّ، والحرص على تحصيله من مظانّه الأصليّة، ومزاحمة العلماء بالركب من السمات الرئيسة للعلماء الربانيين، حيث لا صلاح لهذه الأمّة إلّا بما صَلُح به أولها.

حاجةُ المسلم إلى العلم أشدّ من حاجته إلى الطعام والشراب، فكيف بالعالم الربانيّ سيما إذا ابتلي بالإفتاء والتدريس.

والعلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنّ الرجل لا يولد عالـمًا، وإنّما العلم بالتعلّم"(7)،

وعن مالك رحمه الله: "لا ينبغي لأحد يكون عنده علم، أنْ يترك التعلّم"(8).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "منهومان لا تنقضي نهمتهما: طالب علم وطالب دنيا"(9)، وسُئل ابن عيينة رحمه الله: مَن أحوج النّاس لطلب العلم؟، قال: "أعلمهم، لأنّ الخطأ منه أقبح"(10) فالحرص على طلب العلم، والاشتغال به، والتّفرغ له هو الذي جعل أبا هريرة -رضي الله عنه- ينال لقب: حافظ السنّة.

خرّج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنّ الناس يقولون: أكثَرَ أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:174]، و{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة:159]، وإنّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإنّ أبا هريرة كان يلزم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لشبع بطنه -أي: يكفيه من الدنيا ما يدفع عنه الجوع- ويحضر ما لا يحضرون"(11).

مما يستفاد من هذا الحديث كما قال ابن عبد البر رحمه الله: "ملازمة العلماء، والرضى باليسير للرغبة، ومنها الإيثار للعلم على الاشتغال بالدنيا"(12).

فالإمامة في الدين لا تُنال بالتمنّي وإنَّما بالصبر واليقين، ومن أهمّ مقومات الإمامة في الدين: الرسوخ في العلم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء:73].

وكذلك ما كان لابن عباس -رضي الله عنهما- أنْ يُلقّب بِحَبر هذه الأمة، وتُرجمان القرآن، وربانيّ هذه الأمة بعد دعاء الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- له بذلك لولا حِرصه ومداومته على طلب العلم: (بلسان سؤول……).

 

الثالثة: الصدق، والإخلاص، والتجرّد لله عزّ وجلّ:

من صفات عباد الله المتقين والعلماء الربانيين، الصدق والإخلاص والتجرّد لله عزّ وجلّ كما أمر الله عباده بذلك: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27]، فمن أحبّ أنْ يتقبّل الله عمله، ويبارك في جهده، وينفع بعلمه، فعليه أنْ يبتغي بعلمه وعمله وسائر تصرفاته وجه الله عزّ وجلّ.

لقد جعل الله لقبول العمل علامتين، ميزان ظاهر وهو: موافقة السنة، وآخر باطن وهو: الصدق والإخلاص، ومن جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلّم: (إنّما الأعمال بالنيات)، ولهذا عندما سُئل عن الرجل يقاتل حميّة ويقاتل ليرى مكانه في الصف، أيُّ ذلك في سبيل الله؟، قال كلمة جامعة مانعة: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)(13).

وقد أُثر عن الفُضيل بن عياض -رحمه الله- أنّه قال في تأويل قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك:2]: "أصدقه وأصوبه، قيل له: ما أصدقه وأصوبه؟، قال: أنْ يكون العمل خالصًا لله عزّ وجلّ، وموافقًا لسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم"، أو كما قال.

 

الرابعة: الخشية والخوف من الله عزّ وجلّ:

من خشي الله عزّ وجلّ حقّ الخشية، وخافه ولم يخف أحدًا سواه، هو العالم بحكم الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر:28]، ومن لم يخفه ويخشه فهو ليس بعالم.

فالخشية والخوف من الله عزّ وجلّ من أهمّ صفات العلماء الربانيين(14). قال الربيع بن أنس: "من لم يخش الله تعالى ليس بعالم".

وقال مجاهد: "إنّما العالم مَن خشي الله عزّ وجلّ"، وعنه كذلك: "إنّما الفقيه من يخاف الله عزّ وجلّ".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كفى بخشية الله تعالى عِلمًا، وبالاغترار جهلًا".

وقيل لسعد بن إبراهيم: مَن أفقه أهل المدينة؟ قال: "أتقاهم لربه عزّ وجلّ".

المراد بالخشية: العلم الصادق، واليقين الكامل بقدرة الله عزّ وجلّ والحذر، والخوف من عقابه، جاء في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}: "يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته، فمن عَلم أنّ الله عزّ وجلّ قدير، أيقن بمعاقبته على المعصية"، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الذين علموا أنّ الله على كلّ شيء قدير"(15). ونادت امرأة الإمام الشعبي -رحمه الله- قائلة: أيّها العالم، فقال لها: أنا لست بعالم، إنّما العالم من يخشى الله ويتقيه.

وكان سفيان الثوري -رحمه الله- إذا رأى مُنكرًا ولم يتمكّن من تغييره يبول الدم، وكان شديد الخوف من الله عزّ وجلّ، ولهذا كان يخشى هلاكه بسببه.

فالخوف من الله عزّ وجلّ ومن سطوته، هو الذي جعل عمر رضي الله عنه -مع سابقته وفضله وعدله- عندما حضرته الوفاة أنْ يتمنى أنْ لا يكون له ولا عليه شيء، وقد قال: "ليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر رضي الله عنه".

والخوف من الله عزّ وجلّ هو الذي جعل كثيرًا من الصحابة والتابعين يخشون على أنفسهم النفاق، وقد قال عمر -رضي الله عنه- لحذيفة أمين سِرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المنافقين: ناشدتك بالله، هل سمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم؟ فقال له: لا.

ولذات السبب قال ابن مُلَيكة رحمه الله: "أدركتُ مائة وعشرين من أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كلٌّ يخشى على نفسه النفاق".

وأيضًا فإنّ الخوف والخشية من الله عزّ وجلّ هو الذي جعل كثيرًا من السلف الصالح يتدافعون الإمامة في الصلاة، والقضاء، والأمانات، وغيرها.

فما الذي أمّننا الآن سوى الغفلة وطول الأمل وحبّ الدنيا؟

قال ابن عاشور رحمه الله: "والقصر المستفاد من {إنِّما} قصر إضافي، أيّ: لا يخشاه الجهّال، وهم أهل الشرك، فإنّ من أخص أوصافهم أنّهم أهل الجاهليّة، أيّ: عدم العلم، فالمؤمنون يومئذ هم العلماء، والمشركون جاهلون نفيت عنهم خشية الله، ثمّ إنّ العلماء في مراتب الخشية متفاوتون في الدرجات تفاوتًا كثيرًا".

إلى أن قال: "والمراد بالعلماء: العلماء بالله وبالشريعة، وعلى حسب مقدار العلم في ذلك تقوى الخشية، فأمّا العلماء بعلوم لا تتعلّق بمعرفة الله وثوابه وعقابه معرفة على وجهها فليست علومهم بمقرّبة لهم من خشية الله، ذلك لأنّ العالم بالشريعة لا تلتبس عليه حقائق الأسماء الشرعيّة، فهو يفهم مواقعها حقّ الفهم، ويرعاها في مواقعها، ويعلم عواقبها من خير أو شر، فهو يأتي ويدع من الأعمال ما فيه مُراد الله ومقصد شرعه، فإنْ هو خالف ما دعت إليه الشريعة في بعض الأحوال أو في بعض الأوقات لداعي شهوة أو هوى، أو تعجّلِ نفع دنيوي، كان في حال المخالفة موقنًا أنّه مورط فيما لا تحمد عقباه، فذلك الإيقان لا يلبث أنْ ينصرف به عن الاسترسال في المخالفة بالإقلاع أو الإقلال، وغيرُ العالم إنْ اهتدى بالعلماء فسعيه مثل سعي العلماء، وخشيته متولدة عن خشية العلماء، قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: "والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها، وأقرب العلماء إلى الله أولاهم به، وأكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة"(16).

 

الخامسة: الاشتغال بتعليم النّاس، وإرشادهم، والتدرّج في ذلك:

ليس هناك بعد الفرائض، أفضل من الاشتغال بالعلم تعلّمًا وعملًا وتعليمًا للناس، وذلك لتعدي فضله ونفعه، ولا يزال الناس بخير ما عاش الكبير حتى يتعلّم الصغير.

من الصفات التي ينبغي أنْ يحرص عليها من أراد أنْ يتشبّه بالربانيين إنْ لم يكن ربانيًا: الحرص على تعليم الناس والصبر على ذلك.

فليس برباني من لم يعتنِ بذلك ويشتغل به، لوصف الله عزّ وجلّ للربانيين بهذه الصفة: {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79]، فالعالم الذي لا يجود بعلمه ولا يبذله لمن يطلبه، ولا يسعى لتوصيله للمحتاجين إليه، ليس بعالم.

عندما نقل لابن منده رحمه الله، قول شعبة رحمه الله: "من كتبت عنه حديثًا فأنا له عبد، قال ابن منده: "من كتب عني حديثاً فأنا له عبد"(17).

العلم رحم بين أصحابه، لولا أنّ العلماء دَرَّسُوا هذه العلوم لتلاميذهم، وتلاميذُهم قاموا بواجب نشر وبث ما عَلموا، لاندثر العلم وذهب، ذلك لأنّ العلم بالتعلّم، ولهذا نجد جلّ العلماء من لدن الصحابة وإلى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها كانت وظيفتهم الأساسيّة وعملهم الرئيس تعليم الناس وتدريسهم، فالعلم أمانة في أعناق العلماء، فإذا ترك الناس التعلّم والتعليم أَثموا جميعًا، ولهذا عدّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذهاب العلم وفشوّ الجهل من علامات الساعة التي تؤذن باقترابها.

والعلم المأمور بنشره وتعليمه للناس هو علمُ ما يجب على المرء تعلّمه من حقّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبيان السنة من البدعة، والحلال من الحرام، وهو العلم النافع الذي سأله الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ربه.

فحِلَقُ الذكر هي حِلق العلم لقوله عز وجل: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل:43].

يُروى أنّ معاوية -رضي الله عنه- في موسم من المواسم نزل بالأبطح فمرت به جماعة فلم يلتفت إليهم، حتى إذا مرت به جماعة فيهم رجل يُسألُ فيقال له: رميتُ قبل أنْ أحلق، وحلقتُ قبل أنْ أرمي، في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج، فقال: "من هذا؟"، قالوا: عبد الله بنُ عمر، فالتفت إلى ابنه، وقال: "هذا وأبيك الشرف، هذا والله شرف الدنيا والآخرة"(18).

وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: "أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء"(19)، وقال سعد بن عبدالله التُستري: "من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء، يجيء الرجل فيقول: يا فلان، إيش تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟، فيقول: طلقت امرأته، ويجيء بآخر فيقول: حلفت بكذا وكذا، فيقول: ليس يحنث بهذا القول، وليس هذا إلّا لنبيّ أو عالم، فاعرفوا لهم ذلك"(20).

وقال النضر بن شميل رحمه الله: "من أراد أن يشرف في الدنيا والآخرة فليتعلّم العلم، وكفى بالمرء سعادة أنْ يوثقَ بِهِ في دين الله، ويكون بين الله وبين عباده"(21)، وقال ابن الجوزي -رحمه الله- تحت فصل: (تعليم الخلق أفضل العبادات) وقد نازعته نفسه إلى العزلة فردّها قائلًا: "وأما الانقطاع فينبغي أن تكون العُزلة عن الشّرّ لا عن الخير، والعُزلة عن الشرّ واجبة على كلّ حال‏، وأمّا تعليم الطالبين وهداية المريدين فإنّه عبادةُ العَالِم‏، وإنّ مِن تفضيل بعض العلماء إيثاره التنفل بالصلاة والصوم عن تصنيف كتاب أو تعليم علم يَنفع، لأنّ ذلك بذر يكثر ريعه ويمتد زمان نفعه‏،‏ وإنّما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين‏:‏ أحدهما‏:‏ حبّ البطالة لأنّ الانقطاع عندها أسهل‏،‏ والثاني‏:‏ حبّ المدحة، فإنّها إذا توسّمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر‏.‏ فعليك بالنّظر في الشرب الأول فكن مع الشرب المقدّم‏،‏ وَهُمُ الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم‏، فهل نُقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة من الانقطاع عن العلم والانفراد عن الخلق‏؟ إلاَّ أنْ ينقطع مَن ليس بعالم بقصد الكفّ عن الشر، فذاك في مرتبة المحتمي، يخاف شَرّ التخليط، فأمَّا الطبيب العالم بما يتناول فإنّه ينتفع بما يناله"(22).

ورحم الله عالم دار الهجرة مالك بن أنس عندما كتب إليه العمري الزاهد يطلب منه أنْ يعتزل مجالس العلم، ويتفرّغ للعبادة، لم يستجب وردّ على كتابه القاسي ردَّ فقيه كما قال الإمام الذهبي رحمه الله.

قال الذهبي نقلًا عن ابن عبد البر في (التمهيد): "إنّ عبد الله العمري كتب إلى مالك يحضّه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: إنّ الله قسّم الأعمال كما قسَّم الأرزاق، فرُبّ رجل فُتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الجهاد، فنشرُ العلم أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظنّ ما أنا فيه بدون ما أنتَ فيه، وأرجو أنْ يكون كلانا على خير وبِرّ"(23)، رحم الله مالكًا، والله ما كان عليه من نشر العلم وبثّه بين الخلق لا يدانيه أبدًا ما كان عليه العمري الزاهد من العبادة.

و يا ترى كم كان يخسر المسلمون، ويفقدون عِلمًا كثيرًا نافعًا لو استجاب مالك لما دعاه إليه العمري الزاهد؟!.

 

التأليف والتصنيف صنو التدريس:

مما يجب أنْ ينتبه إليه العلماء الربانيون، ولا يقصروا فيه أبدًا: جانب التأليف والتصنيف، فإنّه هو صنو التدريس والتعليم، سيما في هذا العصر الذي ضَعُفت فيه الهمم، وقَصُرت فيه العزائم، وعسر على الكثير من شباب الأمة التعامل مع كتب ومصنفات الأقدمين، فتيسيرها واختصارها وعرضها بصورة تسهّل الانتفاع بها والاستفادة منها أمر في غاية الأهمية، وهو لا يقلّ نفعًا وأجرًا وفضلًا -إذا أحسنت النية- عن التدريس.

العلماء المشتغلون بتعليم النّاس وتربيتهم وتزكية سلوكهم وتأليف الكتب والمصنّفات النّافعة هم الذين تجتمع فيهم الخصال الثلاثة التي وردت في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو عِلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(24)  وليس ذلك إلاَّ للعالم الرباني والفقيه المتفاني، فمصنفاته وعلمه صدقة جارية عليه بعد موته، وكذلك تلاميذه فهم أبناؤه.

فيا فوز من وُفّق لتعليم العلم النافع، والعمل به، ونشره وبثه بين العالمين.

 

السادسة: الرسوخ في العلم:

من الصّفات التي ينبغي أنْ يتحلّى بها العلماء الربانيون: الرسوخ في العلم والثبات فيه، حتى يستطيعوا التمييز بين المحكم والمتشابه، فعدمُ التمييز بين المحكم والمتشابه هو الذي أوقع الخوارج فيما وقعوا فيه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يؤمنون بمتشابهه ويكفرون بمحكمه"، أو كما قال. ولهذا مدح الله الراسخين بالفهم واليقين.

وحتى يستطيعوا التمييز بين ما يجوز الخوض والبحث عن معانيه وهو المحكم من القرآن -وهو جلّه وهو الذي يحتاجه الناس- وما لا يجوز الخوض فيه وإنّما يُردّ علمه إلى علاَّم الغيوب، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران:7].

روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، إلى قوله: {أُوْلُواْ الألْبَابِ}، فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فَهُم الذين عَنَى الله، فاحذروهم"(25)

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يُعذر أحدٌ في فهمه، وتفسير تَعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الرّاسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلاَّ الله"(26).

 

السابعة: مخالطة الناس والصبر على تعليمهم وإرشادهم

العالم الربّاني هو الذي يخالط النّاس ويتصدّرهم، ويصبر على تعليمهم وإرشادهم وما يصدر منهم من أذى، مقتديًا في ذلك برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصَحبه الكرام، وورثة الأنبياء العظام.

قال صلّى الله عليه وسلّم: (المؤمن الذي يُخالط النّاس ويصبر على أذاهم أفضلُ من المؤمن الذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم)(27) ولهذا ما كَان عُلماء السّلف يعيشون في أبراج عاجيّة، مُنعزلين عن العامّة، بلْ كانوا مرتبطين بهم، معاشرين لهم، معلمين ومرشدين وموجهين.

واعتزال بعض أهل العلم الآن العامّة، واكتفاء بعضهم بالعمل الوظيفي، أو بالتأليف والتصنيف لا يكفي. وهناك فرق بين الـمُخالطة والـمُعاشرة، والصّبر على الأذى، وبين منافقة العامّة ومحاولة كسبهم والتقرّب إليهم بالتساهل في الفُتيا، وبالبحث والتنقيب عن رُخص العلماء وزلّاتهم، لأنَّ منافقة العلماء للعامة والتزلّف إليهم ومجاراتهم وعدمُ الأخذ على أيديهم وحملهم على اتباع الحق، لا يقلّ خطرًا من منافقة العلماء للحكّام، وتبرير ما يصدرُ منهم من مخالفات شرعيّة.

 

الثامنة: التواضع، ولين الجانب:

من أهمّ سِمات العلماء الربانيين التواضع، ولين الجانب، قدوتهم في ذلك رسولهم صلّى الله عليه وسلّم، الذي كانت الجارية تأخذ بيده أنَّى شاءت ليقضيَ لها حاجتها، وكذلك كان خلفاؤه الراشدون، فكان أبو بكر يحلب الشاة لعجوز، فعندما وليَ الخلافة، قالت العجوز: من يَحلب لي بعد ذلك؟، فقال أبو بكر: أنَا. فلم يمنعه تقلده للخلافة وانشغاله بأمر الناس أنْ يتخلّى عن إعانة هذه العجوز.

فمن تواضع لله رفعه، ومن تعالى عليه وعلى خَلقه كَسَرَه وخفضه، قال تعالى موصيًا رسوله بأتباعه الضُّعفاء: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، ووصف الله المؤمنين بقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:54].

وقال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد)(28).

وعنه صلّى الله عليه وسلّم: (ما تواضع أحدٌ لله إلاَّ رفعه الله)(29).

وعن أنس رضي الله عنه قال: "إنْ كانت الأَمة [أي: الجارية] من إماء المدينة لتأخذ بيدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت"(30).

 

التاسعة: الإنصاف، والرجوع إلى الحق:

الحقّ عند الله عزّ وجلّ واحد لا يتعدد، ولهذا إذا اجتهد العالم أو الحاكم -إنْ كان من أهل الاجتهاد- فأصاب الحقّ فله أجران، وإنْ لم يصب الحقّ فله أجر واحد، وهذا يبيّن خطأ من يقول: "لكلّ مجتهد نصيب"، ولهذا قال بعض السلف عن هذه المقولة: "أولها سفسطة وآخرها زندقة".

لهذا ينبغي للعالم الربّاني أنْ يكون رجّاعًا إلى الحقّ إذا تبيّن له، وعليه ألاَّ يستكبر ويستنكف عن قبول الحقّ ولو جاءه من فاجر أو كافر، كما قال معاذ رضي الله عنه.

وقد ضرب الصحابة الكرام، والعُلماء الأعلام في ذلك المثل الأعلى، والقدوة الصالحة، وإليكَ نماذج من رجوعهم إلى الحقّ(31):

• رجع عمر لقول معاذ في المرأة الحامل، وقال: "لولا معاذ هلك عمر".

• ورجع عمر لقول عليّ في التي وضعت لستة أشهر، رُوي أنّه رفع إلى عمر امرأة وضعت لستة أشهر فهمَّ عمر برجمها، فقال له علي: ليس ذلك لك، قال الله تعــــالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة:233]، وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15]، لا رجم عليها، فخلص عمر عنها.

• ورجع عثمان عن حجبه الأخ بالجد، لقول عليّ رضي الله عنهما.

• وكذلك رجع القاضي أبو يوسف -رحمه الله- إلى قول مالك في المكاييل، وزكاة الخضر، والبقول، وفي صيغة الأذان، وقال: "لقد رجعت يا أبا عبد الله إلى قولك، ولو سمع صاحبي ما سمعت لرجع كما رجعت".

قال أشهب: سمعت مالكًا رحمه الله يقول: "ما الحقّ إلاَّ واحد، قولان مختلفان لا يكونان صوابًا جميعًا، ما الحق والصواب إلاَّ واحد".

قال أشهب: ويقول به الليث.

قال أبو عمر بن عبد البر: "الاختلاف ليس بحجّة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلاَّ من لا بَصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجّة في قوله".

ومن تواضع مالك رحمـــــه الله: أنّه عندمـــا صنّف موطأه، أراد أبو جعفـــر المنصــــور أنْ ينســـخ منه نسخًا، ويحمل النـــاس عليها، فنهــــاه عن ذلك مالك، لأنّ الصحابة قد تفرقــــوا في الأمصار وأخــــذ الناس عنهم، فلا يصحّ أنْ تحملهـــم على قول واحد(32)، أو كما قال.

لقد ضَرب الإمام الذهبي المثل الأعلى للإنصاف والاعتذار للعلماء الذين ترجم لهم في كتابه القيِّم: (سير أعلام النبلاء). قال الذهبي رحمه الله: "قال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.

قلتُ: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلّمة إلى هذا الإمام، وهذا أمر لا شكّ فيه، وليس يصحّ في الأذهان شيء إذا احتاج النهـــــار إلى دليــــل، وسيرته تحتمل أنْ تُفرد في مجلدين، رضي الله عنه ورحمه"(33).

وقال الذهبي(34) في ترجمة ابن عبد البر: "كان إمامًا ديّنًا ثقة، علاَّمة، متبحّرًا، صاحب سنّة واتباع، وكان أولًا أثريًا ظاهريًا فيما قيل، ثم تحوّل مالكيًا مع ميل إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنّه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته في سعة العلم وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله ويترك إلاَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ولكنْ إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه".

 

العاشرة: النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم

لا يكون العالم ربانيًا إلاَّ إذا كان ناصحًا لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم، صادعًا بالحق قوالًا به، لا تأخذه في الله لومة لائم، عملًا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (الدين النصيحة)، ثلاثاً، قلنا: لمن؟، قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)(35) ، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(36).

قال صلّى الله عليه وسلّم: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلاَّ كان له بين أمته حواريون [جمع حواري، وهم خلاص الأنبياء واصفياؤهم]، وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم تخلّف من بعدهم خلوف [هم خُلْف _ بسكون اللام _ وهو الخالف بِشَرّ]، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)(37).

وقال صلّى الله عليه وسلّم: (أفضل الجهــاد كلمة عدل عند سلطـــان جائر)(38)  ولهذا توعّد الله كاتمي العلم بالنار: (من سئل عن علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)(39) وقال أبو محمد التميمي عن أحمد رحمه الله: "وكان يأمر بإظهار العلم، وقال في الحبس، وهو مهدد بالضرب والقتل: إذا سكت الجاهل لجهله، وأمسك العالم تقيّة، فمتى تقوم لله حجة؟! وكان يأمر بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بحسب الطاقة"(40)، لمكانة الأمر والنهي في الإسلام. وقد قيل لأحمد رحمه الله: "إن اجتمع رجلان أحدهما قد امتحن (في محنة خلق القرآن)، والآخر لم يمتحن؟، فقال: لا يتقدم ولا يصلي بهم الذي لم يمتحن، ورأى ذلك فضيلة له على من امتحن"(41).

ولذات السبب كان أحمد -رحمه الله- يفضّل ابن أبي ذئب على مالك على الرغم من تقدّم مالك في العلم، لأنّه كان قوالًا بالحقّ، من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر. قيل لأحمد: "من أعلم: مالك، أو ابن أبي ذئب؟، قال: ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في بدنه، وأورع ورعًا، وأقوم بالحقّ من مالك عند السلطان، وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يمهله أن قال له الحق، قال له: الظلم فاشٍ ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر!! وقال حمَّاد بن خالد: كان يُشَبه ابن أبي ذئب بسعيد بن المسيب، وما كان ابن أبي ذئب ومالك في موضع عند السلطان إلاَّ تكلم ابن أبي ذئب بالحقّ، والأمر والنهي، ومالك ساكت"(42). وهذا مسلك كثير من علماء السلف، منهم على سبيل المثال: العزّ بن عبد السلام، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، والنووي وغيرهم كثير.

 

الحادية عشرة: العمل والسعي على تزكية النفس

الفلاح هو النجاح والفوز في الدنيا والآخرة، ولهذا وصف الله عزّ وجلّ المزكّين لأنفسهم المطهرين لها من الرذائل والمناقص بالفلاح، قائلًا: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}[الشمس:9]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)(43) فالعالم الرباني هو الذي يهمه ويعينه شأن نفسه، ويسعى لكل ما فيه اصلاحها، ولا يشتغل بالفضوليات، وعيوب الناس عن عيب نفسه: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)(44).

ولهذا قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا ليوم العرض الأكبر".

قال القرطبي رحمه الله في تفسير {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}: "أي من زكى الله نفسه بالطاعة….، أي وخسرت نفس دسَّها الله عز وجل بالمعصية. وقال ابن عباس: خابت نفس أضلها وأغواها، وقيل: أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، وصالح الأعمال، وخاب من دسَّ نفسه في المعاصي"(45).

 

ورحم الله ابن القيم القائل: "سبحان الله! في النفس من كِبْر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وقِحَة هامان، وهوى بلعام، وحِيَل أصحاب السبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاؤوس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الخفاش، ونوم الضبع! غير أنّ الرياضةَ والمجاهدة تُذهب ذلك، فمن استرسل مع طبعه، فهو من هذا الجند، ولا تصلح سلعته لعقد {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ}[التوبة:111]، فما اشترى إلاَّ سلعة هذبها الإيمان، فخرجت من طبعها إلى بلد سكانه التائبون العابدون"(46).

 

الثانية عشرة: الالتزام بالهدي، والسمت الصالح

جاء عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة)(47).

لا شكّ أنّ أفضل هدي، وخير سمت في الوجود هو ما كان عليه رسولنا صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ أول من يجب عليهم الاقتداء والتأسي والتشبه به هم العلماء الربانيون، ورثة الأنبياء.

قال الخطابي رحمه الله: "هدي الرجل حاله ومذهبه، وكذلك سمته، وأصل السمت، الطريق المنقاد.

والاقتصاد سلوك القصد في الأمر، والدخول فيه برفق، وعلى سبيل يمكن الدوام عليه... يريد أنّ هذه الخلال من شمائل الأنبياء، صلوات الله عليهم، ومن الخصال المعدودة من خصالهم، وأنّها جزء من أجزاء فضائلهم، فاقتدوا بهم فيها، وتابعوهم عليها. وليس معنى الحديث أنّ النبوة تتجزأ، ولا أنّ من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة، لأنَّ النبوة ليست مكتسبة، ولا مجتلبة بالأسباب، وإنّما هي كرامة من الله سبحانه، وخصوصية لمن أراد إكرامه بها من عباده: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:134]، وقد انقطعت النبوة بموت محمد صلّى الله عليه وسلّم. وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معنى النبوة ههنا: ما جاءت به النبوة، ودعت إليه الأنبياء صلوات الله عليهم"(48).

 

الثالثة عشرة: تصدّر الأمة وقيادتها:

الإمامة في الدين تُنال بالصبر واليقين، وأولى الخلق بهاتين الصفتين العلماء الحكماء الربانيون، فأولى الناس بالإمامة والريادة، وأحقّ الخلق بها، هم العلماء، فهم أهلها، ولهذا عندما جعل الله إبراهيم إمامًا للناس سأله ذلك لذريته من بعد لحبّه لهم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124].

فالإمامة في الدين الكبرى (في الحكم)، والصغرى (في الصلاة)، وجميع الولايات لها شروط، ومن أهم تلك الشروط:

1. العلم.

2. والعدالة.

كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إمام الخلق في الدين والدنيا، وكذلك كان خلفاؤه من بعده، وكان الخلفاء والحكّام هم أئمة النّاس في الحُكم والصلاة، ولكنْ بعد حين حدث انفصام، حيث تولى الحكم وسيطر عليه أناس ليسوا بعلماء، ومن ثمّ ظهر الفساد في البر والبحر بسبب ذلك.

فالعلماء هم ولاة الأمر، الذين أمر الله بطاعتهم في قوله سبحانه وتعالى: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}[النساء:59]، فطاعة الحكام عندما حدث الانفصام مستمدة من طاعتهم للعلماء.

وإذا تخلّى العلماء عن قيادة الأمة، وعجزوا عن ذلك، سطا عليها غيرهم ممن لم تتوفر فيهم شروطها، وممن لا يصلحون لها.

لقد رفع الله شأن العلماء في هذه الأمة، وخصّهم بخصائص لم يخصّ بها العلماء السابقين، حيث كانت بنو إسرائيل تحكمهم وتسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه من بعده، ولكن هذه الأمة جعل الله سيادتها وسياستها وريادتها للعلماء الربانيين.

فقد صحّ عنه -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، فسيكون خلفاء كثيرون)، قالوا: فما تأمرنا؟، قال: (فُوا - أي: أوفوا، من الوفاء- لبيعة الأول فالأول، اعطوهم حقهم، فإنّ الله سائلهم عما استرعاهم)(49).

ولمكانة العلماء في هذا الدين، فقد قصر الشارع الحكيم لأهل الحلّ والعقد -وهم العلماء- اختيار الحاكم.

لقد اختلّت الموازين في هذا العصر، حيث أصبحت أمثل طريقة لاختيار الحاكم، الانتخاب والترشيح، الذي يستوي فيه المسلم والكافر، والعالم والجاهل، والرجل والمرأة، والصالح والطالح، وافتتن كثير من المسلمين بهذه الطريقة بحيث أصبحوا لا يبغون عنها حِولًا، ولا يريدون منها بدلًا، وذلك للدعاية والتسويق الذي يقوم به أعداء الإسلام لهذا النظام الذي لا يقوم إلاَّ على أنقاض الإسلام، وقد دلَّت السوابق والتجارب التي ليست عنا ببعيد أنّه لا يمكن للإسلام أن يعود ويحكم بهذا الطريق.

 

الرابعة عشرة: تجنب المراء، والجدل، والخصومات ونحوها

المراء والجدل لا يأتيان بخير أبدًا، ولهذا نهى الشارع عنهما لما يسببانه من الخصومات، وتوغير الصدور، وتوريث الإحَن.

صحَّ عنه -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أنا زعيم ببيت في ريض [طرف الجنة] الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)(50) هذا النهي عن المراء والجدل وإنْ كان المرء محقًّا، فكيف بالمراء والجدل بغير حقّ؟! لا شكّ، هو أشدّ حُرمة وأقبح ذنبًا.

لو ناسب المراء كلّ الناس لما ناسب العالم الرباني بحال من الأحوال.

فالواجب على العالم بيان الحقّ، وتوضيح السنّة من البدعة، فإنْ قُبل منه ذلك فبها، وإلاَّ عليه ألاَّ يجادل ويماري وإنْ كان محقًا، هذا بخلاف المناظرات العلميّة إن ْكانت هنالك أرضية مشتركة، وكان هناك حَكَمٌ يفصل بين المتناظرين.

اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه والتابعين.

 


(1) رواه البخاري.

(2) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم الجوزية، راجعه وقدّم له، وعلّق عليه: طه عبدالرؤوف سعد _ دار الجبيل (1/9).

(3) المصدر السابق ص (10).

(4) حسن، أخرجه أبو داود في العلم رقم: [3157]، والدارمي رقم:[394]، وقال الحافظ في الفتح في المجلد الأول: وصححه الحاكم، وابن حبان، وله شواهد تقويه.

(5) انظر: الجامع لأحكام القرآن (4/122-123).

(6) صحيح سنن أبي داود، للألباني رقم: (4597).

(7) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (1/421).

(8) المصدر السابق (401).

(9) المصدر السابق (404)، وسنن الدارمي (1/96).

(10) المصدر السابق (407).

(11) متفق عليه، مسلم رقم: (2492).

(12) جامع بيان العلم (1/409).

(13) متفق عليه، مسلم رقم: (1904).

(14) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (14/343).

(15) المصدر السابق.

(16) تفسير التحرير والتنوير للعلامة ابن عاشور، طبع الدار التونسية 1884م (22/304-305).

(17) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، تحقيق محمد حامد الفقي ج (1).

(18) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/174).

 (19) المصدر السابق.

(20) المصدر السابق.

(21) المصدر السابق.

(22) صيد الخاطر، لابن الجوزي ص (84)، الطبعة الأولى 1413ه، دار اليقين.

(23) سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/114).

(24) مسلم رقم (1631).

(25) متفق عليه.

(26) رواه ابن جرير عن ابن عباس، عمدة التفسير (1/48).

(27) رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما كما قال الحافظ بن كثير، اختصار وتحقيق: أحمد محمد شاكر، وصححه محققًا رياض الصالحين ص (226)، هامش (4).

(28) مسلم رقم (2865).

(29) مسلم رقم (2588).

(30) رواه البخاري. فالحذر الحذر من سلوك جبابرة العلماء.

(31) انظر: جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (2/920-924)

(32) انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (1/101).

(33) سير أعلام النبلاء، للذهبي (6/403).

(34) انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (1/101) في السير (18/157).

(35) مسلم رقم (55).

(36) مسلم رقم (49).

(37) مسلم رقم (50).

(38) أبو داود رقم (43044)، وصححه الألباني، والترمذي رقم (2175): الساكت عن الحقّ شيطان أخرس،

(39) صحيح سنن أبي داود، للألباني رقم (3658).

(40) طبقات الحنابلة، لأبي يعلى الحنبلي، تحقيق: محمد حامد الفقي (2/279).

(41) ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب (1/134).

(42) طبقات الحنابلة، لأبي يعلى (1/250).

(43) الترمذي رقم (2461)، وابن ماجه رقم (4260)، الكيِّس، العاقل الفطن، ودان نفسه أي زكَّاها.

(44) الترمذي رقم (2318)، وحسّنه.

(45) الجامع لأحكام القرآن  (20/77).

(46) الفوائد لابن القيم الجوزية، تحقيق: خالد بن محمد عثمان، الطبعة الأولى- 1423هـ ، مكتبة الصفا ص (810).

(47) صحيح سنن أبي داود للألباني رقم (4776)، وحسّنه.

(48) مختصر سنن أبي داود، للمنذري، ومعالم السنن للخطابي، وتهذيب الإمام ابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية (7/163).

(49) متفق عليه، البخاري رقم (3455).

(50) أبو داود رقم (4800)، وقال النووي: بإسناد صحيح.

 

إضافة تعليق جديد