الأحد 08 ديسمبر 2024 الموافق 06 جمادي الثاني 1446 هـ

تأريخ الفرق

تعريف الخوارج وبيان نشأتهم

التعريف بالخوارج وبيان نشأتهم

15 جمادي الثاني 1437 هـ


عدد الزيارات : 16767
سارة بنت فراج العقلاء

الخوارج: جمع خارجة، أي: طائفة، وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولهم عدة أسماء منها : الحرورية والشراة والمحكّمة وغيرها.

فأما الخوارج فسموا به -على رأي ابن حجر -لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين"،فتح الباري (12/283) أو "لخروجهم عن الجماعة، وقيل لخروجهم عن طريق الجماعة" شرح النووي (7/164)؛ لأن كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان"الملل والنحل للشهرستاني (1/114).

وسمّوا بالحرورية لنزولهم بحروراء في أول أمرهم حروراء: قرية على ميلين من الكوفة وإليها نسبت الخوارج،ينظر معجم البلدان ياقوت الحموي، (2/345)، وبالمـُحكّمة لإنكارهم أمر الحكمين، وقولهم: لا حكم إلا لله، وبالشراة لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة مقالات الإسلاميين للأشعري (1/206).

إلا أن اسم الخوارج في معناه الأول الذي يشير إلى الانشقاق ومفارقة الجماعة أصبح الاسم السائر على هذه الجماعة. دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة ص (36)

ويجمعهم القول بتكفير عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأصحاب الجمل، وصفين، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم، وصوّب الحكمين أو أحدهما، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنّة حقًا واجبًا، وأجمعوا على أن كلّ كبيرة كفر، وأن مرتكبي الذنوب كفّار، إلا النجدات خالفتهم في ذلك، وكذلك أجمعوا على أن الله –سبحانه- يعذّب أصحاب الكبائر عذابًا دائمًا، إلا النجدات. مقالات الإسلاميين (1/167) الفرق بين الفرق ص (50) الملل والنحل (1/115) الفتاوى لابن تيمية (7/481)

ويرى بعض المؤلفين في الفرق أن أوّل قرن طلع من الخوارج ظهر في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو رجل طعن على النبي -صلى الله عليه وسلم- في قسمته، واسمه: عبد الله ذو الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم" :ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ "البخاري (3414) فأراد عمر -رضي الله عنه- قتله فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث في صفة الخوارج، وأنهم يخرجون من ضئضيء هذا الرجل البخاري (6933).

ورغم هذه الصلة القوية إلا أن الخوارج لم يظهروا كجماعة إلا بعد حادثة التحكيم. دراسة عن الفرق ص (40)
ويرى جماعة من العلماء أن أصل الخوارج: الجماعة التي أنكرت على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وكان يقال لهم القرّاء لشدة اجتهادهم في العبادة، واجتمعوا من بلدان شتى، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنكروا سيرة بعض أقارب عثمان بن عفان، فطعنوا على عثمان بذلك، جاء في البداية والنهاية أن أهل البصرة خرجوا ومعهم حرقوص بن زهير، الذي صار من قادة الخوارج فيما بعد. الشريعة ص (21) فتح الباري (1/283) الفتاوى (28/488) البداية والنهاية (7/206) ومع ذلك فلم يجتمعوا، ولم تتبلور عقائدهم على ما صارت إليه إلا بعد حادثة التحكيم .

فالصحيح أن هؤلاء كانوا نواة للخوارج، إلا أن خروجهم الحقيقي كان في عهد علي -رضي الله عنه- فقد كانوا معه في حربه، فلما رُفعت المصاحف في موقعة صفين، ألجؤوا عليًا إلى قبول ذلك وقالوا له: يا علي أجب إلى كتاب الله إذ دعيت إليه، وإلا دفعنا برمتك إلى القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان، إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه، والله لتفعلنها أو لنفعلن بك. البداية والنهاية (7/283).

فلما قبل علي بذلك وكتب الكتاب بقبول التحكيم، أنكرت الخوارج ذلك، وحين رجع إلى الكوفة فارقته إلى مكان يقال له حروراء، ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع جماعة منهم، ثم خرج إليهم علي -رضي الله عنه- فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة، وأشاعوا أن عليًا تاب من الحكومة، فخطبهم وأنكر ذلك، فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال رضي الله عنه: كلمة حق يراد بها باطل، وقال لهم: لكم علينا ثلاثة: أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادًا.
وخرجوا شيئًا فشيئًا إلى أن اجتمعوا بالمدائن، وأصروا على الامتناع من طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى يشهد على نفسه بالكفر؛ لرضاه بالتحكيم -مع أنهم هم الذين ألجؤوه إلى قبوله- ويتوب من ذلك، وأرادوا قتل رسول أمير المؤمنين، ثم قتلوا عبد الله ابن خباب بن الأرَتّ، البداية والنهاية (7/288)، الإصابة لابن حجر(2/302) وكان واليًا لعلي، وبقروا بطن سريته عن ولد له، فخرج إليهم علي -رضي الله عنه- في الجيش الذي هيأه للخروج إلى أهل الشام، وقاتلهم في موقعة النهروان، ولم ينج منهم إلا دون العشرة، ولم يقتل من جيش علي إلا عشرة. السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبان ص (15)، البداية والنهاية (7/283)، فتح الباري (12/283)

وقد عُرف عن الخوارج الشدة في القتال والثبات والإقدام على الموت. فتح الباري (12/291)

ولكن لم تضع معركة النهروان نهاية للخوارج؛ بل أذكت فيمن بقي منهم روح القتال، وانضم إليهم مَنْ مَالَ إلى رأيهم، حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الذي قتل عليًا بعد أن دخل في صلاة الصبح، وقال لما ضربه: لا حكم إلا لله، ليس لك يا علي، ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]، ومدحه على فعله عمران بن حطّان في ذلك :

يا ضربة من تقي ما أراد بها    إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
إني لأذكره يوماً فأحسبه        أوفى البرية عند الله ميزاناً سير أعلام النبلاء (4/215)

ثم كانوا مقموعين في إمارة زياد، وابنه عبيد الله على العراق، وظهروا ثانية لـمّا ادّعى مروان بن الحكم الخلافة وغلب على الشام ومصر، فظهر الخوارج بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نجدة بن عامر، وزاد نجدة على معتقد الخوارج: أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر، ولو اعتقد معتقدهم، "وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن، وقَطَعوا يدَ السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها" فتح الباري (12/284)، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ودخل طائفة منهم المغرب.

وسيأتي في النصوص الواردة في ذمهم الإشارة إلى صفة الرجل الذي يُقتل معهم وهو ذو الثُدَيَّة وهي كما يقول ابن تيمية رحمه الله: علامة أول من يخرج منهم ليسوا مخصوصين بأولئك القوم، فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال، وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر مجموع الفتاوى (28/495). ومثلما كان للخوارج حضور في أول الفتن فسيكون لهم حضور في آخرها؛ قال حذيفة  أول الفتن: قتل عثمان، وآخر الفتن: الدجال.البداية والنهاية (7/201)

فلا يزال الخوارج يخرجون حتى يدرك آخرهم الدجال، جاء عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ينشأ نشأٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، كلّما خرج قرن قُطع -قال ابن عمر: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلما خرج قرن قطع" أكثرَ من عشرين مرة- حتى يخرج في عِراضهم الدجال)رواه ابن ماجة (174) وقال البوصيري: الحديث حسن
وهذا ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما قُتل أهل النهروان وصار الناس يقولون له: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قَطَع دابرهم، فقال علي: كلا والله، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقلَّ ما يَلقَونَ أحدًا إلا أَلبوا أن يظهروا عليهالبداية والنهاية (7/300).

النصوص الواردة في التنفير منهم:

جاءت نصوص كثيرة تحذر من الخوارج، وتذم مذهبهم، وذلك في السنة النبوية، وكذلك في أقوال الأئمة .

قال الإمام أحمد: صحّ الحديث في الخوارج من عشرة أوجه.

وقال ابن تيمية: وقد رواها مسلم في صحيحه، وروى البخاري منها ثلاثة أوجه: حديث علي وأبي سعيد الخدري، وسهيل بن حنيف، وفي السنن والمسانيد طرق أخرى متعددة.الفتاوى (28/512).
وذكر الحافظ ابن كثير أكثر من ثلاثين حديثًا وردت في الصحاح والسنن والمسانيدالبداية والنهاية (7/301).

فمنها الحديث الصحيح في الرجل الذي أنكر قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، واستأذن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في ضرب عنقه فلم يأذن له، وقال: دعه، فإن له أصحابًا يحقِر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرُقُون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، يُنْظَر في قُذّذِه فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر إلى نعله فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر إلى رِصَافه فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر في نّضِيّه فلم يوجد فيه شيء، قد سبَقَ الفرثَ والدمَ، آيتهم رجلٌ إحدى يديه -أو قال ثدييه- مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البَضعة تَدَرْدَر، يخرجون على حين فرقة من الناس)البخاري (6534). قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليًا قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم.البخاري (6933) ومسلم (1063)

وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال الخوارج، وبيّن أن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم، ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة)رواه البخاري (6930) ومسلم (1066).

فأكرم الله عليًا بقتلهم وقاتل معه الصحابة، "فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة"الشريعة للآجري ص (22).

قال الإمام البخاري: وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: انطلَقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين فتح الباري (12/ 282). وقال ابن حجر: سنده صحيح

وكان علي -رضي الله عنه- يقول: هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف: 103-104] منهم أهل النهروان ورب الكعبة السيرة النبوية لابن حبان ص (546).

وجاء عن أبي أمامة أنه لما أتي برؤوس الأزارقة فنصبت ورآهم؛ دمعت عيناه وقال:كلاب النار، كلاب النار، كلاب النار، ثلاث مرات، هؤلاء شرّ قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء، فسئل: وما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم لأنهم كانوا من أهل الإسلام، هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعًا. السنّة، عبد الله بن أحمد (2/643، 644)

والنصوص الواردة في ذم الخوارج أكثر من النصوص الواردة في ذم غيرهم من الفرق، مع أن غيرهم من الفرق قد يكون أشد ابتداعًا منهم، ولكن بدعتهم واضحة، أما هؤلاء فالفتنة بهم أعظم؛ لأن لهم إيمانًا وحالاً ظاهرة من الصلاح توجب موالاتهم، ودخلوا في تلك البدعة التي تفسد الدين؛ فلذا جاء النص في التحذير منهم، وعلى هذا فلا بد من التحذير ممن تلبس ببدعتهم، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ ذلك أن بدعة التكفير أشد من غيرها من البدع. مجموع الفتاوى (28/233)

أساس بدعة الخوارج:

جاء في الأحاديث السابقة وغيرها الإشارة إلى اجتهاد الخوارج في العبادة من صلاة، وصيام، وتلاوة قرآن وما إلى ذلك من إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك جاء التحذير الشديد منهم في الأحاديث وعلى لسان الصحابة، كما سبق من وصْف ابن عمر لهم بأنهم شرار الخلق، وذلك أن أساس بدعتهم –كما يقول الآجري- أنهم "قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين" الشريعة ص (21)

فمذهبهم قام على الغلو والتشدد في فهم الدين تاريخ المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص (79)، فهم كانوا جهّالاً فارقوا السنة والجماعة، يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع فتح الباري لابن حجر، (12/283)، ووصفهم ابن عباس عند ذهابه لمناظرتهم فقال: "فأتيت فدخلت على قوم لم أرَ أشدّ اجتهادًا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من آثار السجود. تلبيس إبليس لابن الجوزي، ص (91)، فتح الباري لابن حجر، (12/289) وكان لعسكرهم مثل دوي النحل من قراءة القرآن، وفيهم أصحاب البرانس الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة. فتح الباري لابن حجر، (12/296)

فالخوارج كان فيهم غلو في الديانة وتشديد في غير موضع التشديد، وتنطّع في العبادة بحمل النفس على ما لم يأذن فيه الشرع مع وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة، ومع أنه ندب إلى الشدة مع الكفار وإلى الرأفة بالمؤمنين فعكس ذلك الخوارج. فتح الباري لابن حجر، (12/301)، وينظر شرح النووي (7/166)

ولما ذكر لابن عباس الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن، قال: يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه فتح الباري لابن حجر، (12/300) وقال إسناده صحيح

وكان علي يقول وهو يمشي بين القتلى منهم: بؤسًا لكم، لقد ضرّكم من غرّكم. فقال أصحابه: يا أمير المؤمنين: ومن غرّهم؟ قال: الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون البداية والنهاية لابن كثير، (7/299) وكان عبد الله بن وهب الراسبي -أحد أمراء الخوارج- قد قحلت مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة السجود المصدر السابق (7/300)

فلا يُنازع في أن الخوارج كان لهم من الصلاة والصيام والقراءة والعبادة والزهادة ما لم يكن لعموم الصحابة، ولكن ضلالهم كان في اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وأنهم هم -أي الخوارج- أعلم من علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة الذين عاصروا التنزيل، فهم أعلم بالتأويل منهم! وهذا ما ذكره ابن عباس لهم عندما ذهب لمناظرتهم فقال: "أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار، ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم. تلبيس إبليس لابن الجوزي، ص (92)

فالخوارج لم يتحملوا ما فعله أميرا المؤمنين عثمان وعلي -رضي الله عنهما- من أنواع التأويل فجعلوا كما يقول ابن تيمية: "موارد الاجتهاد بل الحسنات ذنوبًا، وجعلوا الذنوب كفرًا، ولهذا لم يخرجوا في زمن أبي بكر وعمر لانتفاء تلك التأويلات وضعفهم" مجموع الفتاوى (28/ 495)

ولا غرو في أن ينكر الخوارج على الصحابة -رضوان الله عليهم- وعلى علي -رضي الله عنه- ما فعله من قصد المصلحة من التحكيم، ومحو اسمه، وما تركه من سبي نساء المؤمنين وصبيانهم، فقد أنكر أولهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إعطاء المؤلفة قلوبهم مع ما فيه من المصلحة، وهذا إنما ينكره ذوو الدين الفاسد الذي لا يصلح به دنيا ولا آخرة، فلهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتالهم وقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) رواه مسلم (1064) أي قتلاً عامًا مستأصلاً، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة. ينظر مجموع الفتاوى (28/ 497-502)

قال الآجري: "فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلاً كان الإمام أو جائرًا، فخرج وجمع جماعة، وسلّ سيفه، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج". الشريعة ص (21)

ويجدر هنا التأكيد على أن حسن النية، وسلامة القصد بمجردها لا تكفي، فالخوارج ضلوا من حيث أرادوا الخير، تاريخ المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص (76) وهذا يذكرنا بقول ابن مسعود -رضي الله عنه- لما رأى قومًا في المسجد ينتظرون الصلاة، معهم حصى، وفيهم رجل يقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، ثم يقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ثم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، فعاتبهم؛ فاعتذروا بأنهم إنما أرادوا الخير، فقال لهم: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: "رأينا عامة أولئك الحِلَقِ يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج". رواه الدارمي (1/ 287)

المصدر: مجلة البحوث الإسلامية (83/ 140-156) جزء من بحث بعنوان: "الكفر مفهومه وأنواعه والغلاة فيه"


اقرأ أيضاً : الرحمة من خلق المسلم والغلظة من خلق الخوارج


 

1 - فتح الباري (12/283)
2 - شرح النووي (7/164)
3 - الملل والنحل للشهرستاني (1/114)
4 - ينظر معجم البلدان ياقوت الحموي، (2/345)
5 - مقالات الإسلاميين للأشعري (1/206)
6 - دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة ص (36)
7 - مقالات الإسلاميين (1/167) الفرق بين الفرق ص (50) الملل والنحل (1/115) الفتاوى لابن تيمية (7/481)
8 - البخاري (3414)
9 - البخاري (6933)
10 - دراسة عن الفرق ص (40)
11 - الشريعة ص (21) فتح الباري (1/283) الفتاوى (28/488) البداية والنهاية (7/206)
12 - البداية والنهاية (7/283)
13 - البداية والنهاية (7/288)، الإصابة لابن حجر(2/302)
14 - السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبان ص (15)، البداية والنهاية (7/283)، فتح الباري (12/283)
15 - فتح الباري (12/291)
16 - سير أعلام النبلاء (4/215)
17 - فتح الباري (12/284)
18 - مجموع الفتاوى (28/495)
19 - البداية والنهاية (7/201)
20 - رواه ابن ماجة (174) وقال البوصيري: الحديث حسن
21 - البداية والنهاية (7/300)
22 - الفتاوى (28/512)
23 - البداية والنهاية (7/301)
24 - البخاري (6534)
25 - البخاري (6933) ومسلم (1063)
26 - رواه البخاري (6930) ومسلم (1066)
27 - الشريعة للآجري ص (22)
28 - فتح الباري (12/ 282). وقال ابن حجر: سنده صحيح
29 - السيرة النبوية لابن حبان ص (546)
30 - السنّة، عبد الله بن أحمد (2/643، 644)
31 - مجموع الفتاوى (28/233)
32 - الشريعة ص (21)
33 - تاريخ المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص (79)
34 - فتح الباري لابن حجر، (12/283)
35 - تلبيس إبليس لابن الجوزي، ص (91)، فتح الباري لابن حجر، (12/289)
36 - فتح الباري لابن حجر، (12/296)
37 - فتح الباري لابن حجر، (12/301)، وينظر شرح النووي (7/166)
38 - فتح الباري لابن حجر، (12/300) وقال إسناده صحيح
39 - البداية والنهاية لابن كثير، (7/299)
40 - المصدر السابق (7/300)
41 - تلبيس إبليس لابن الجوزي، ص (92)
42 - مجموع الفتاوى (28/ 495)
43 - رواه مسلم (1064)
44 - ينظر مجموع الفتاوى (28/ 497-502)
45 - الشريعة ص (21)
46 - تاريخ المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص (76)
47 - رواه الدارمي (1/ 287)